تُؤَكِّدُ الْدِّرَاسَاتِ الْطَّبِّيَّةٌ الْجَدِيْدَةٍ عَلَىَ أَهَمِّيَّةِ التَّفَاؤُلِ وَالْبُشْرَىَ ، وَتُحَذِّرُ مِنْ مَخَاطِرِ الْتَّشَاؤُمِ وَبِخَاصَةٍ عَلَىَ مَرْضَىْ الْقَلْبِ ، فَمَاذَا عَنْ تَعَالَيْمِ دِيْنِنَا الْحَنِيْفِ؟ لِنَقْرَأْ....
مَا أَعْظَمَ الْتَّعَالِيْمَ الَّتِيْ جَاءَ بِهَا الْإِسْلَامُ ، وَمَا أَرْوَعَ آَيَاتُ هَذَا الْقُرْآَنَ ، وَمَا أَجْمَلَ أَحَادِيْثَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فَقَدْ كَانَ دَائِمَ التَّفَاؤُلِ وَيَسْتَبْشِرُ بِرَحْمَةِ الْلَّهِ ، وَلَمْ يَكُنْ يَحْزَنَّ عَلَىَ أَمْرٍ مِنْ أُمُوْرِ الْدُّنْيَا أَبَدا ، بَلْ كَانَ فِيْ كُلِّ لَحْظَةٍ يُمْتَثَلْ قَوْلِ الْلَّهِ تَعَالَىْ : (قُلْ بِفَضْلِ الْلَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوْا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُوْنَ) [يُوْنُسَ: 58] . وَقَدْ كَانَ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ الْحَسَنُ ، وَكَانَ أَبْعَدَ الْنَّاسِ عَنِ الْتَّشَاؤُمِ ، بَلْ كَانَ يَنْهَىَ عَنْ الْتَّطَيُّرِ وَ"الْنَّظْرَةَ الْسَّوْدَاءِ" لِلْمُسْتَقْبَلِ .
وَبِمَا أَنَّ الْلَّهَ تَعَالَىْ قَالَ: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيْ رَسُوْلِ الْلَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوَ الْلَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ الْلَّهَ كَثِيْرا) [الْأَحْزَابُ : 21] ، فَإِنَّهُ مِنْ الْوَاجِبِ أَنْ نَقْتَدِيَ بِسُنَّتِهِ وَنَهْتَدِيَ بِهَدْيِهِ فَلَا نْتَشاءَمْ وَنْتَفَاءَلَ بِالْخَيْرِ دَوْمَا ، وَهَذَا خُلُقٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْنَّبِيِّ الْأَعْظَمِ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَكِنَّ مَاذَا عَنْ الْعِلْمِ الْحَدِيْثِ ، وَهَلْ هُنَاكَ مَنْ اكْتِشَافْ عِلْمِيّ يُؤَكِّدُ صِدْقَ تَعَالِيْمَ نَبِيٍّ الْرَّحْمَةِ عَلَيْهِ الْصَّلاةُ وَالْسَّلامُ ؟
أَكَّدَتْ دِرَاسَةِ أَمْرِيْكِيَّةِ بِأَنَّ الْتَّشَاؤُمِ قَدْ يُهْلِكُ صَاحِبَهُ ، بَعْدَ أَنْ كَشَفْتَ عَنْ زِيَادَةِ احْتِمَالِ تَعْرِضُ مَرْضَىْ الْقَلْبِ لِلْوَفَاةِ بِسَبَبِ مُعَانَاتِهِمْ الْقَلْبِيَةِ ، فِيْ حَالِ أَكْثِرُوْا مِنْ الْتَّشَاؤُمِ فِيْ تَعَاطِيْهِمْ مَعَ حَالَتُهُمْ الصَّحّيّةِ . وَيَقُوْلُ الْدُّكْتُوْرُ جَوْنِ بِيَرْفُوْتْ مِنْ الْمَرْكَزِ الْطَّبِّيُّ الْتَّابِعُ لِجَامِعَةِ دُّيُوُكُ الْأَمْرِيْكِيَّةِ ، تُعَدُّ هَذِهِ مِنْ أَوْلَىٍ الْدِّرَاسَاتِ الَّتِيْ تُخْتَبَرُ كَيْفِيَّةِ تَأَثُّرٍ صِحَّةِ الْمَرِيْضِ بِنَظْرَتِهِ وَتَوَجُّهَاتِهِ حِيَالَ مَرَضِهِ ، وَهُوَ مَا يُؤَثِّرُ فِيْ الْنِّهَايَةِ عَلَىَ فُرْصَهْ فِيْ الْنَّجَاةِ .
وَقَدْ رَكَّزَتْ الْدِّرَاسَاتِ الْسَّابِقَةِ عَلَىَ تَأْثِيرٌ تَوَقَعَّاتَ الْمَرِيْضِ ، فِيْمَا يَخْتَصُّ بِحَالَتِهِ الْمَرَضِيَّةٌ ، عَلَىَ قُدْرَتِهِ عَلَىَ اسْتِئْنَافِ الْحَيَاةِ بِشَكْلٍ طَبِيْعِيٍّ ، وَبِالتَّحْدِيْدِ فِيْمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَمَلِ وَقِيَامِهِ بِالتَمَارِينَ الْرِّيَاضِيَّةِ ، إِلَا أَنْ الْدِّرَاسَةِ الْأَخِيرَةِ سَاعَدَّتْ فِيْ الْكَشْفِ عَنْ تَأْثِيْرِ تَوَجُّهَاتِ الْفَرْدُ حِيَالَ مَرَضِهِ عَلَىَ صِحَّتِهِ الْبَدَنِيَّةِ .
وَكَانَ بَاحِثُوْنَ مِنْ جَامِعَةِ دُّيُوُكُ الْأَمْرِيْكِيَّةِ أَجْرَوْا دِرَاسَةِ شَمِلَتْ 2800 مِنْ الْمُصَابِيْنَ بِأَمْرَاضٍ الْشَرَايْيِنَ الْتَّاجِيَّةِ ، يُعَانِيْ كُلَّ مِنْهُمْ مَنْ انْسِدَادُ فِيْ شُرْيَانِ وَاحِدٍ عَلَىَ الْأَقَلِّ . وَقَدْ طَلَبَ مِنْ الْمُشَارِكِيْنَ مِلْءَ اسْتِبْيَانَاتِ خَاصَّةً لِقِيَاسِ تَوَقَّعَاتُهُمْ حِيَالَ مَقْدِرَتِهِمْ عَلَىَ الْتَّعَافِيَ مِنْ الْمَرَضِ وَاسْتَعَادَتِهُمْ نَمَطَ الْحَيَاةِ الْطَّبِيْعِيَّةِ .
وَطِبْقا لِلَّدِّرَاسَةِ فَقَدْ تُوُفِّيَ 978 شَخْصَا مِنْ الْمُشَارِكِيْنَ ، خِلَالَ فَتْرَةِ تَرَاوَحَتِ مُدَّتِهَا مِنْ6 -10 سَنَوَاتٍ مِنْ بَدْءِ الْدِّرَاسَةِ ، حَيْثُ تَبَيَّنَ أَنَّ سَبَبُ الْوَفَاةُ فِيْ 66 % مِنْ الْحَالِاتِ يَرْجِعُ إِلَىَ إِصَابَةِ الْفَرْدِ بِمَرَضٍ الْشَرَايْيِنَ الْتَّاجِيَّةِ .
وَتُشِيرُ نَتَائِجَ هَذِهِ الْدِّرَاسَةِ إِلَىَ ارْتِفَاعِ مَخَاطِرُ الْوَفَاةُ عِنْدَ الْمَرْضَىَ الَّذِيْ أَظْهَرُوْا تَشَاؤُما تُجَاهَ وَضَعَهُمْ الصَّحّيّ ، وَذَلِكَ بِمِقْدَارِ الْضَعْفَ مُقَارَنَةً مَعَ الْمَرْضَىَ الْآَخِرِينَ .
وَمَنْ وِجْهَةٍ نَظَرَ الْبَاحِثِيْنَ ، فَقَدِ بَاتَ مِنَ الْمَعْلُوْمِ وُجُوْدِ عَلَاقَةٌ بَيْنَ الاكْتِئَابُ وَزِيَادَةٌ مُعَدَّلَاتِ الْوَفَيَاتِ عِنْدَ الْأَشْخَاصِ ، غَيْرِ أَنْ النَّتَائِجُ الْحَالِيَّةِ تُظْهِرُ حَجْمُ تَأْثِيْرٌ تَوَقَعَّاتَ الْمَرِيْضِ ، عَلَىَ تُعَافِيَهِ مِنْ الْمَرَضِ ، بِغَضٍّ الْنَّظَرِ عَنْ أَيَّةِ عَوَامِلِ نَفْسِيَّةٌ أَوْ اجْتِمَاعِيَّةٌ أُخْرَىَ .
وَيُؤَكِّدُ الدُّكْتُوْرُ "بِيَرْفُوْتْ" عَلَىَ أَنْ الْدِّرَاسَةِ تَقَدَّمَ نَصِيْحَةٌ لِلْطَّبِيْبِ حَوْلَ أَهَمِّيَّةِ الْتَّنَبُّهِ إِلَىَ مَا يَعْتَقِدُهُ الْمَرِيْضِ حِيَالَ مَرَضِهِ ، لِمَا لِذَلِكَ مِنْ تَأْثِيرٍ عَلَىَ تُعَافِيَهِ . كَمَا تَبَيَّنَ لِلْمَرْضَىَ بِأَنَّ تَوَقَّعَاتُهُمْ الْإِيجَابِيَّةُ تُجَاهَ هَذَا الْأَمْرَ ، لَنْ تُحْسِنَ مِنْ شُعُوْرَهُمْ فَحَسْبُ ، وَإِنَّمَا قَدْ تُمَكِّنُهُمْ مِنَ الْعَيْشِ فَتْرَةٍ أَطْوَلَ .
وَفِيْ ظِلِ هَذِهِ النَّتَائِجُ الْعِلْمِيَّةِ نُدْرِكُ أَهَمِّيَّةَ أَنْ يَسْتَبْشِرَ الْمُؤْمِنِ بِرَحْمَةٍ مِنَ الْلَّهِ، فَهُوَ الْقَائِلُ : (يَسْتَبْشِرُوْنَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ الْلَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ الْلَّهَ لَا يُضِيْعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِيْنَ) [آَلِ عِمْرَانَ: 171]. وَقَدْ عَجَبٌ الْنَّبِيِّ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَالَ الْمُؤْمِنِ فَكَانَ كُلُّ حَالِهِ خَيْرٌ : إِذَا أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرَا لَهُ ، وَإِذَا أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرَا لَهُ !!
مِنْ هُنَا نَتَعَلَّمُ دَرْسَيْنِ مِنْ دُرُوْسْ الْتَّقْوَىْ : الْصَّبْرِ وَالْشُّكْرِ . فَالْمُؤْمِنُ يَتَمَيَّزُ عَلَىَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ بِهَاتَيْنِ الْصِّفَتَيْنِ أَثْنَاءِ تَعَامُلِهِ مَعَ ظُرُوْفِ الْحَيَاةِ وَصُعُوبَاتِهَا ، فَتَجِدُ أَنَّ الْصَّبْرَ وَالْشُكْرِ يَجْعَلَانِ الْمُؤْمِنِ أَكْثَرَ تَفَاؤُلا وَأَبْعَدَ مَا يَكُوْنُ عَنْ الْتَّشَاؤُمِ ، لِأَنَّهُ يُدْرِكُ أَنَّ الْلَّهَ مَعَهُ ، وَأَنْ الْمُسْتَقْبَلِ لَهُ ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ بِانْتِظَارِهِ ، فَلَا يَحْزَنَّ عَلَىَ شَيْءٍ فَاتَهُ ، وَلَا يَخَافُ مِنْ شَيْءٍ سَيَأْتِيْهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَىْ : (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ الْلَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُوْنَ * الَّذِيْنَ آَمَنُوْا وَكَانُوْا يَتَّقُوْنَ * لَهُمُ الْبُشْرَىَ فِيْ الْحَيَاةِ الْدُّنْيَا وَفِيْ الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيْلَ لِكَلِمَاتِ الْلَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيْمُ) [يُوْنُسَ: 62-64] . فَهَلْ هُنَاكَ أَجَمَلَ مَنّ أَنَّ يَمْتَلِكُ الْمُؤْمِنِ الْبُشْرَىَ فِيْ الْدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ، فَمَاذَا يُرِيْدُ بَعْدَ ذَلِكَ ؟
*إِنَّ الَّذِيْنَ آَمَنُوْا وَعَمِلُوْا الْصَّالِحَاتِ يَهْدِيْهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيْمَانِهِمْ تَجْرِيَ مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِيْ جَنَّاتِ الْنَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيْهَا سُبْحَانَكَ الْلَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيْهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ*