منتديات عائلة المشهراوي
اهلا وسهلاً بك عزيزي الزائر ...
إذا كانت هذه الزيارة الاولى للمنتدى فيرجى منك التسجيل بالمنتدى
وإذا كنت أحد اعضاء هذا المنتدى فيجب عليك الدخول
منتديات عائلة المشهراوي
اهلا وسهلاً بك عزيزي الزائر ...
إذا كانت هذه الزيارة الاولى للمنتدى فيرجى منك التسجيل بالمنتدى
وإذا كنت أحد اعضاء هذا المنتدى فيجب عليك الدخول
منتديات عائلة المشهراوي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات عائلة المشهراوي

مرحباً بك يا في منتديات عائلة المشهراوي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 البطل ناجي العلي – بقلمه

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الملكة
إداري
الملكة


انثى
عدد الرسائل : 7524
تاريخ التسجيل : 12/09/2007

البطل ناجي العلي – بقلمه Empty
مُساهمةموضوع: البطل ناجي العلي – بقلمه   البطل ناجي العلي – بقلمه Emptyمارس 2nd 2008, 4:03 pm

ناجي العلي – بقلمه

اغتيل الفنان ناجي العلي في لندن يوم 22/7/1987 وتوفي يوم 29/8/1987، وهذا التقديم منقول من كتاب "كامل التراب الفلسطيني .... من أجل هذا قتلوني" تأليف محمود عبدالله كلّم. الطبعة الأولى أغسطس 2001 بيسان للنشر والتوزيع.

التقديم عبارة عن إجابات متفرقة لناجي العلي في مقالات نشرت في عدد من الصحف العربية.



ناجي العلي – بقلمه

طور الصبا

اسمي ناجي العلي .. ولدت حيث ولد المسيح ، بين طبرية والناصرة ، في قرية "الشجرة" بالجليل الشمالي ، أخر جوني من هناك بعد 10 سنوات – في 1948 إلى مخيم عين الحلوة في لبنان .. أذكر هذه السنوات العشر أكثر مما أذكر بقية عمري، أعرف العشب والحجر والظل والنور، لا تزال ثابتة في محجر العين كأنها حفرت حفراً .. لم يخرجها كل ما رأيته بعد ذلك.

.. أرسم .. لا أكتب أحجبة، لا أحرق البخور، ولكنني أرسم، وإذا قيل إن ريشتي مبضع الجراح، أكون حققت ما حلمت طويلاً بتحقيقه .. كما أنني لست مهرجاً، ولست شاعر قبيلة – أي قبيلة – إنني أطرد عن قلبي مهمة لا تلبث دائماً أن تعود .. ثقيلة .. ولكنها تكفي لتمنحني مبرراً لأن أحيا .

متهم بالانحياز، وهي تهمة لا أنفيها .. أنا لست محايداً، أنا منحاز لمن هم "تحت" .. الذين يرزحون تحت نير الأكاذيب وأطنان التضليلات وصخور القهر والنهب وأحجار السجون والمعتقلات. أنا منحاز لمن ينامون في مصر بين قبور الموتى، ولمن يخرجون من حواري الخرطوم ليمزقوا بأيديهم سلاسلهم، ولمن يقضون لياليهم في لبنان شحذاً للسلاح الذي سيستخرجون به شمس الصباح القادم من مخبئها .. ولمن يقرأون كتاب الوطن في المخيمات ..

كنت صبياً حين وصلنا زائغي الأعين، حفاة الأقدام، إلى عين الحلوة .. كنت صبياً وسمعت الكبار يتحدثون .. الدول العربية.. الإنكليز .. المؤامرة .. كما سمعت في ليالي المخيم المظلمة شهقات بكاء مكتوم .. ورأيت من دنت لحظته يموت وهو ينطلق إلى الأفق في اتجاه الوطن المسروق. التقطت الحزن بعيون أهلي، وشعرت برغبة جارفة في أن أرسمه خطوطاً عميقة على جدران المخيم.. حيثما وجدت مساحة شاغرة .. حفراً أو بالطباشير..

وظلت أرسم على جدران المخيم ما بقي عالقاً بذاكرتي عن الوطن، وما كنت أراه محبوساً في العيون، ثم انتقلت رسوماتي إلى جدران سجون ثكنات الجيش اللبناني، حيث كنت أقضي في ضيافتها فترات دورية إجبارية.. ثم إلى الأوراق .. إلى أن جاء غسان كنفاني ذات يوم إلى المخيم وشاهد رسوماً لي، فأخذها ونشرها في مجلة "الحرية". وجاء أصدقائي بعد ذلك حاملين نسخاً من "الحرية" وفيها رسوماتي.. شجعني هذا كثيراً.

حين كنت صبياً في عين الحلوة، انتظمت في فصل دراسي كان مدرسي فيه أبو ماهر اليماني.. وعلمنا ابو ماهر أن نرفع علم فلسطين، وأن نحييه، وحدثنا عن أصدقائنا وأعدائنا.. وقال لي حين لا حظ شغفي بالرسم "ارسم.. لكن دائماً عن الوطن"..

وتوجهت بعد ذلك إلى دراسة الفن أكاديمياً. فالتحقت بالأكاديمية اللبنانية لمدة سنة، أذكر أنني لم أداوم خلالها إلا شهراً أو نحو ذلك، والباقي قضيته كما هي العادة في ضيافة سجون الثكنات اللبنانية .. كانوا يقبضون علينا بأية تهمة. وبهدف واحد دائماً: هو أن نخاف، وكانوا يفرجون عنا حين يملون من وجودنا في السجن، أو حين يتوسط لديهم واحد من الأهل أو الأصدقاء.

ولأن الأمور كانت على ما كانت عليه، فقد فكرت في أن أدرس الرسم في القاهرة، أو في روما، وكان هذا يستلزم بعض المال، فقررت أن أسافر إلى الكويت لأعمل بعض الوقت.. وأقتصد بعض المال.. ثم أذهب بعدها لدراسة الرسم..

وصلت بالفعل إلى الكويت عام 1963، وعملت في مجلة "الطليعة" التي كانت تمثل التيار القومي العربي هناك في ذلك الوقت .... كنت أقوم أحياناً بدور المحرر والمخرج الفني والرسام والمصمم في آن واحد.. وبدأت بنشر لوحة واحدة .. ثم لوحتين.. وهكذا .. وكانت الاستجابة طيبة .. شعرت أن جسراً يتكون بيني وبين الناس، وبدأت أرسم كالمحموم، حتى تمنيت أن أتحول إلى أحد آلهة الهند القدامى .. بعشرين يداً .. وبكل يد ريشة ترسم وتحكي ما بالقلب .. عملت بصحف يومية بالاضافة إلى عملي، ونشرت في أماكن متفرقة من العالم..

كنت أعمل في الكويت حين صدرت جريدة "السفير" في بيروت. ولقد اتصل بي طلال سلمان وطلب مني أعود إلى لبنان لكي أعمل فيها. وشعرت أن في الأمر خلاصاً، فعدت ولكني تألمت وتوجعت نفسي مما رأيت. فقد شعرت أن مخيم عين الحلوة كان أكثر ثورية قبل الثورة. كانت تتوفر له رؤية أوضح سياسياً، يعرف بالتحديد من عدوه وصديقه. كان هدفه محدداً فلسطين، كامل التراب الفلسطيني.

لما عدت، كان المخيم غابة سلاح، صحيح، ولكنه يفتقد إلى الوضوح السياسي، وجدته أصبح قبائل، وجدت الأنظمة غزته، وعرب النفط غزوه ودولارات النفط لوثت بعض شبابه. كان هذا المخيم رحماً يتشكل داخله مناضلون حقيقيون، ولكن كانت المحاولات لوقف هذه العملية. وأنا أشير بإصبع الاتهام لأكثر من طرف. صحيح هناك تفاوت بين الخيانة والتقصير، ولكني لا اعفي أحداً من المسئولية. الأنظمة العربية جنت علينا، وكذلك الثورة الفلسطينية نفسها.

وهذا الوضع الذي أشير إليه يفسر كثيراً مما حدث أثناء غزو لبنان.



وبدأ الغزو..

عندما بدأ الغزو كنت في صيدا. الفلسطينيون في المخيمات شعروا أنه ليس هناك من يقودهم. اجتاحتنا إسرائيل بقوتها العسكرية، انقضت علينا في محاولة لجعلنا ننسى شيئاً اسمه فلسطين. وكانت تعرف أن الوضع عموماً في صالحها، فلا الوضع العربي، ولا الوضع الدولي ولا وضع الثورة الفلسطينية يستطيع إلحاق الهزيمة بها. والأنظمة العربية حيدت نفسها بعد "كامب ديفيد".

في الماضي كانت الثورة الفلسطينية تبشر بحرب الأغوار، بالحرب الشعبية، العدو جاء باتجاهنا وكل قياداتنا العسكرية كانت تتوقع الغزو. وبتقديري، ورغم أنني لست رجلاً عسكرياً ولم أطلق رصاصة في حياتي، أنه كان من الممكن أن تجتاح إسرائيل لبنان بخسائر أكبر بكثير. وهنا تشعر أن المؤامرة كانت واردة من الأنظمة ومن غير الأنظمة، أقصد مؤامرة تطهير الجنوب والقضاء على القوة العسكرية الفلسطينية وفرض الحلول "السلمية" وتشعر أنه مقصود أن تقدم لنا هذه "الجزرة" لكي نركض وراء الحل الأمريكي.

هذا هو الوضع العربي والوضع الفلسطيني جزء منه. بتقديري أنه كان يمكن أن نسدد ضربات موجعة لإسرائيل، ولكن مخيماتنا ظلت بلا قيادة. وكيف لأهاليها أن يواجهوا الآلة العسكرية الإسرائيلية! الطيران والقصف اليومي من البر والبحر والجو، بالاضافة إلى أن الوضع كان عملياً مهترئاً. قيادة هرمت، ومخيمات من زنك وطين، اجتاحها الاسرائيليون وجعلوها كملعب كرة القدم. ومع ذلك وصل الإسرائيليون إلى بيروت وحدود صوفر، والمقاومة لم تنقطع من داخل المخيمات وبشهادات عسكريين إسرائيليين وبشهادتي الشخصية اعتقلت أنا وأسرتي كما اعتقلت صيدا كلها وقضينا 3 أو 4 أيام على البحر.

بعد أن تم الاحتلال، كان همي أن اتفقد المخيم لأعرف طبيعة المقاومة والقائمين بها. أخذت معي إبني – وكان عمره 15 سنة وذهبنا في النهار. كانت جثث الشهداء ما زالت في الشوارع والدبابات الاسرائيلية المحروقة على حالها على أبواب المخيم لم يسحبها الإسرائيليون بعد، تقصيت عن طبيعة المقاومين فعرفت أنهم أربعون أو خمسون شاباً لا أكثر كان الاسرائيليون قد حرقوا المخيم والأطفال، والنساء كانوا ما زالوا في الملاجئ، وكانت القذائف الاسرائيلية تنفذ الى الأعماق وكان قد سقط مئات الضحايا من الأطفال في المخيم وفي صيدا. وبشكل تلقائي عاهد هؤلاء الشباب أنفسهم أنهم لن يستسلموا وأنها الشهادة أو الموت، وفعلاً لم تستطع إسرائيل أن تأسر أي واحد من هؤلاء الشباب. في النهار، في ضوء الشمس كانت إسرائيل تنقض عليهم. وفي الليل يخرجون هم بالأربي جي. فقط .

هذه صورة مما حدث في مخيم عين الحلوة، وأنا شاهد، ولكني أعرف أن هناك صوراً أخرى في مخيمات صور والبرج الشمالي والبص والرشيدية.

كان الناس في الملجأ وفي الشارع يدعون لله ويسبون الأنظمة وكل القيادات ويلعنون الواقع ولا يبرئون أحداً، ويشعرون أنه ليس لهم إلا الله ويتحملون مصيرهم.

جماهير الجنوب بما فيها جماهيرنا الفلسطينية المعترة (الفقيرة) هي التي قاتلت وهي التي حملت السلاح ووفاء لهذا الشعب العظيم الذي أعطانا أكثر مما أعطانا أي طرف آخر، وعانى وتهدم بيته، لا بد من أن يقول المرء هنا إن مقاومي الحركة الوطنية اللبنانية قد جسدوا روح المقاومة بما يقارب الأسطورة. وفي رأيي أن الإعلام العربي مقصر في عملية توضيح روح المقاومة الحقيقية.



دور النساء:

في عين الحلوة تبعثر الناس بين البساتين مع أطفالهم، أما إسرائيل فلمت كل الشباب(أنا مثلاً انفرزت 4 أو 5 مرات) ثم اعتقلت ونقلت معظمهم إلى أنصار.

وهنا بدأ دور النساء. ولا اعتقد أن بإمكان أي فنان أن يجسد ذلك الوضع الذي عاش في ظله أهالي الجنوب، على الفور بدأت النساء – والجثث ما زالت في الشوارع – تعود إلى بيوت الزنك الذي انصهر وتعمل مع أطفالها على إصلاح البيت، بالأحجار، وبالخشب، تظلل أولادها من الشمس، تعمل كالنمل تعيد بناء عششها التي تهدمت. وكان شاغل إسرائيل والسلطة اللبنانية أيضاً أن تختفي هذه المخيمات لأنها هي البؤرة الحقيقية للثورة، ولكن النساء والأطفال في غيبة الرجال في معسكرات الاعتقال أو المختفين من الرصد الإسرائيلي، قاموا باعادة بناء مخيم عين الحلوة.

شاهدت كيف كان الجنود الإسرائيليون يخشون من الأطفال (الشبل ابن العاشرة أو الحادية عشرة كان لديه القدر الكافي من التدريب الذي يمكنه من حمل مدفع الأربي جي. والمسألة ليست معقدة، دبابتهم أمامك وسلاحك في يدك) كان الإسرائيليون يخشون من دخول المخيم وإن دخلوه فلا يكون ذلك إلا في النهار.

عندما تركت لبنان منذ أكثر من سنة، كان مخيم عين الحلوة قد عاد.. الحائط الذي ينهدم يعاد بناؤه ويكتب عليه "عاشت الثورة الفلسطينية، المجد للشهداء".

وفي تقديري أن هذا العمل لم يكن بتوجيه من أحد بل جاء تلقائياً وكنوع من الانسجام مع النفس. كانت كبرياء الناس وكرامتهم هي التي تملي عليهم تلك المواقف، لأنه في حالات كثيرة كان الإنسان يتمنى الموت. والاسرائيليون أوصلونا إلى حالة نفسية من هذا النوع كما قد تجاوزنا مرحلة الخوف والهلع، وكان الخط الفاصل بين الحياة والموت قد سقط .

أصيبت ابنتنا الصغيرة "جودي" من قصف عشوائي من جماعة سعد حداد وكان ذلك سنة 1981، قبل الاجتياح كنت نائماً وسمعت الصراخ ثم حملتها وهي تصرخ وأجرينا لها عملية جراحية، ولا نزال نعالجها.

ولكن مصيبتنا تتضاءل أما مصائب الناس، فهناك عائلات فقدت خمسة وستة شباب من أبنائها وأصبح البيت خاوياً، همنا الشخصي لا يذكر. وكان يؤرقني طوال الوقت إحساس بالعجز عن الدفاع عن الناس. فكيف أدافع عنهم برسم؟! كنت أتمني لو استطيع أن أفدي طفلاً واحداً. إن ظروف الاجتياح من قسوتها أفقدت الناس صوابهم. مرة وأنا عائد إلى البيت مع إبني خالد وجدت رجلاً عارياً. كان الناس ينظرون إليه باستغراب، ناديت على وداد، زوجتي، طلبت منها أن تنزل لي قميصاً وبنطلوناً كان الرجل حجمه كبير فأحضرت قميصاً من عندي وبنطلوناً من عند جارنا وألبسناه. كان الرجل في وضع مأساوي جداً حاولت أن أسأله ولكنه لم يتكلم. سألت عنه فعرفت أنه من صيدا وأنه عندما استمر القصف عدة ليال اضطر للخروج ليحضر لأولاده خبزاً أو شيئاً يأكلونه على أمل أن يجد دكاناً مفتوحاً، لأن صيدا القديمة شوارعها مسقوفة وبالامكان أي يسير فيها الإنسان بقدر نسبي من الأمان. لم يجد الرجل أي دكان مفتوح فعاد إلى بيته. ولكنه وجد البيت وقد تهدم على زوجته وأطفالها السبعة أو الثمانية ففقد توازنه.

وعندما أخذنا الاسرائيليون باتجاه البحر، مررت من أمام هذا البيت فوجدت لافتة صغيرة مكتوبا عليها بالفحم "انتبه هنا ترقد عائلة فلان" (للأسف نسيت اسم الشخص) هذه اللافتة كتبها هو بنفسه، لأن الجثث كانت لا تزال تحت الردم. فقد الرجل عقله وسار في الشارع عارياً.

هذه صورة من صور المآسي وهي عديدة. كان البعض يسير أمام الدبابات الاسرائيلية ويهتف "تعيش الثورة، تسقط إسرائيل، يسقط بيغن" في حالة فقدان التوازن.

بجوار بيتنا هناك ساحة، جاءت جرافات كبيرة وتصورنا أن الاسرائيليين سيقيمون مواقع دبابات لهم ولكنهم كانوا قد لملموا الجثث في الشوارع وأتوا بها لدفنها في هذا المكان الذي أصبح مقبرة جماعية.

كل من عاش هذه التجربة رأي حجم المأساة، البعض استطاع استيعابها والبعض الآخر فقد اتزانه. ومع ذلك لم يعد هناك خيار. كانت المرأة تدافع عن زوجها، تعيد بناء بيتها، تؤمن ماءها، تطمئن على الأولاد في أي معتقل، تخرج في المظاهرات، تطالب بالافراج عن الرجال المعتقلين. وكانت إسرائيل تحصدهم حصداً بالرصاص. وهناك صديقة إيطالية صورت مشهد النساء اللاتي سقطن برصاص الجنود واستشهدن، لاحقها الاسرائيليون ومرغوها في الوحل ولكنها استطاعت الهروب وجاءت إلى البيت عند وداد زوجتي وغسلت الكاميرا ونشرت الصور التي التقطتها في مجلات غربية.

وفي هذه المرحلة كان الجيش الاسرائيلي يأتي بصحفيين إلى صيدا ويجعلهم يشاهدون كيف أن الجيش الإسرائيلي يقدم مياهاً للشرب للأطفال. ولم تكشف الصحافة المجازر التي جرت في صيدا. صحيح أن بعض الصحفيين كشفوا الذي حدث في صبرا وشاتيلا ولكن حتى هذا تم جزئياً في سياق هدف سياسي.

لم يكن الهدف من هذه المجازر البشعة قتل آلاف من الفلسطينيين، إنما كان الهدف زجرنا بالمعنى النفسي، أي أن نيأس إلى حد التنازل عن حقنا في فلسطين. ولكنه حتى إن مل البعض من النضال، فهناك أجيال آتية وكما كنا نتعلم من الحزن في عيون آبائنا، سوف يلتقط منا من يأتي بعدنا رسالة. جيلنا أعطى ولكن حجم المؤامرة علينا كان أكبر. الواقع العربي خدم أعدائنا، الواقع الدولي ومسائل أخرى كثيرة.. شعبنا لا ينقصه قيادة بل حزب، حزب يملك دليلاً نظرياً كاملاً يبدأ من نقطة الصفر. لو فهم من كلامي أني غير راضٍ عن الثورة سأقول لك نعم أنا غير راضٍ. أشعر أن فلسطين بحاجة إلى ملائكة، جند الله، ألف جيفارا، أنبياء تقاتل، قيادات حقيقية واعية تعرف كيف ترد. وبتقديري أن الأنظمة العربية أجهضت ثورتنا، وبتقديري أيضاً أن المقولة القائلة إن الفلسطينيين وحدهم هم الذين عليهم تحرير فلسطين، هي مقولة خائنة، فكلنا نعرف ما هي طموحات إسرائيل بالنسبة لمصر ولبنان وسوريا.

وبعد الاجتياح بقيت شهراً في صيدا حاولت مثلي مثل غيري أن أرمم البيت وأن أواسي الناس وأعزيهم، أملأ ماء، أنقل أشياء للناس .....الخ ولكني كنت أفكر ماذا أفعل وانتهيت إلى ضرورة الذهاب إلى بيروت حيث جريدة "السفير" وحيث بإمكاني أن أرسم.



ما زلنا أحياء .. بالصدفة‍‍‍‍
مر وقت ظن فيه الناس أني مت، إلى أن مرت إحدى الصديقات في صيدا واكتشفت أني موجود فأعطيتها رسومات لي لكي يطمئنوا في "السفير" ويتأكدوا من أني ما زلت حياً.

وكنت طوال الوقت أفكر: ماذا أفعل؟ وانتهى بي تفكيري إلى ضرورة الذهاب إلى بيروت، فودعت زوجتي وأولادي وذهبت، كان من الصعب أن اصل ليس فقط بسبب الإسرائيليين، ولكن أيضاً بسبب الكتائب الذين كانت معرفتهم باني فلسطيني سبباً كافياً لقتلي .

بدأت رحلتي ذات صباح باكر في سيارة، ثم نزلت بين أشجار الزيتون في منطقة اسمها الشويفات واتجهت إلى بيروت مشياً، ويومها التقيت بالكاتب المسرحي السوري سعد الله ونوس الذي كان طالعاً باتجاه دمشق وكان لديه أخبار أني ميت، ثم وصلت "السفير".

وفي بيروت التقيت بالكاتبين الفلسطينيين حنا مقبل(رحمه الله) ورشاد أبو شاور، وكان يصدران مجلة اسمها "المعركة" فصرت أرسم في "السفير" وأرسم في "المعركة" وأتساءل ما الذي بإمكان المرء أن يفعله في مواجهة هذا القصف من الجهات الست (من الأربع جهات ومن الجو والسيارات المفخمة) . وكان يقول الفلسطينيون " هنا يكون الموت موجب كثير" كان المواطن منا يشعر بالتقصير والعجز ويرحب بالموت.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الملكة
إداري
الملكة


انثى
عدد الرسائل : 7524
تاريخ التسجيل : 12/09/2007

البطل ناجي العلي – بقلمه Empty
مُساهمةموضوع: رد: البطل ناجي العلي – بقلمه   البطل ناجي العلي – بقلمه Emptyمارس 2nd 2008, 4:04 pm

وعشنا معاً نحن العاملين في "السفير" في تلك الفترة (وحتى البنات مرة طبخن لنا معكرونة بلا لحم طبعاً ولا أي شيء ولكننا وجدناها أشهى أكلة. وكان معنا شاب مصري يعمل في الكانتين ويظل ساهراً معنا ويأتينا بالشاي والقهوة) كانت تجربة خاصة وحميمة وكان شغلنا هو رفع معنويات الناس بالكلمة، وبالمانشيت، بالرسم.

"السفير" قدمت من شبابها، كما قتل الشاعر علي فوده وهو يوزع مجلة "الرصيف" التي كان يصدرها. كانت المسألة قدرية، القذائف تصل الأطفال في الملاجئ .. وهكذا يشعر الإنسان أن بقاءه حياً محض صدفة، اذا جاءت القذيفة جاءت وإن لم تأت فذاك مجرد صدفة لم تكن هناك الفرصة أمام أحد ليحزن أو ليبكي. وأنا بكيت مرة واحدة بعد خروج المقاومة ومجزرة صبرا وشاتيلا. ولم يكن بكائي قهراً بقدر ما كان إعلاناً أني فلسطيني وأني أبكي الشهداء وأبكي الوضع. كنت أشعر بالوحشة. كثير من أصدقائي الحميمين كانوا قد ذهبوا وكنت أشعر أن البيوت من حولي فارغة. قبل ذلك كنت تلتقي في نفس تلك الشوارع بالمناضل المصري مع المناضل اللبناني مع المناضل الفلسطيني مع المناضل العراقي. والمرء يشعر بوجودهم ويتحامى فيهم ويستظل بهم، ومع ذلك صار لبيروت بعد خروج المقاومة تقدير خاص في نفسي.

وكنت أسأل نفسي كيف أعبر؟ كنت أشعر بالعجز وأتصور أنه لا يوجد أي شاعر يقدر على تجسيد أي مشهد أو لحظة واحدة من لحظات بيروت، ومع ذلك كنت أرسم.

وفي يوم كان القصف فيه عنيفاً جداً على بيروت، من الجهات الست، وتوقفت كل الصحف ما عدا "السفير" وأين نلجأ؟ لجأنا إلى الدور الأرضي محل المطابع. واستمر القصف طوال الليل ولم يتركوا زاوية أو بيتاً إلا وقصفوه. وعندما خرجت فوجدت كل البيوت مصابة من فوق ومن تحت وانضافت إليها شبابيك جديدة. رسمت زهرة مقدمة لبنت - رمز بيروت- من الفجوة التي أحدثتها القذيفة مع عبارة "صباح الخير يا بيروت".

إن "صباح الخير" ليلة حالكة بهذا الشكل تكتسب معنى خاصاً تصور القارئ، بعد كل هذا القصف والموت، يفتح الجريدة في الصباح... فيرى الرسم، ويرى أحداً يصبح على بيروت. كان ذلك كلقائنا في الشوارع بعد القصف نقبل بعضنا ونبتهج أننا ما زلنا أحياء وكل شيء يهون ما دمنا ما زلنا أحياء!

وعندما بدأ الرحيل – وبالمناسبة لم استطع رؤية هذا المشهد الذي ربما يكون فيه مقتلي..

لم أستطع الخروج لتوديع المقاومة ورؤية الناس وهي ترش الزهور والأرز على المقاتلين. أقول عندما بدأ الرحيل ومع أول سفينة غادرت الميناء، رسمت فدائياً يترك السفينة الراحلة ويسبح عائداً إلى الشاطئ، وهو يقول "اشتقت لبيروت".



الوعي يتشكل
إحساسي ووعي للوطن بدأا يتشكلان ونحن في المدرسة الابتدائية بعين الحلوة. كنا نستغل مناسبات مثل وعد بلفور، أو ذكرى تقسيم فلسطين، أو 15 أيار (مايو) للتعبير عن رغبتنا بالعودة إلى فلسطين.

كنا في أيام الذكرى نرفع إعلاماً سوداء فوق المخيم ونمشي في شوارعه وننشد أناشيد قومية لم تكن خاصة بفلسطين أول الأمر، لكنها في المخيم تكتسب معنى فلسطينياً خالصاً. كان هناك بعض الأناشيد الخاصة بمناضلين استشهدوا في فلسطين مثل "يا ظلام السجن خيم / إننا نهوي الظلاما / ليس بعد الموت إلا / فجر مجد يتسامى.

هذا النشيد ردده أحد شهداء ثورة 1936 كان سجيناً وفي يوم اعدامه ألقى هذا النشيد تناقله عنه السجناء الآخرون.

بعد عودتي من السعودية كان بدأ يتشكل في المخيم بعض نشاط سياسي. كان هناك نشاط للقوميين السوريين وانتبهت إلى أن معظم شباب المخيم كانوا مندفعين في حركة القوميين العرب. أما جماهير المخيم فكانت ناصرية، إذ كان أمل الناس بالعودة قد انتعش بعد بروز قيادة عبدالناصر.

أنا حاولت أن انتمي إلى حركة القوميين العرب 1959 إلا أنني اكتشفت، واكتشفوا هم معي، أنني لا أصلح للعمل الحزبي. فخلال سنة واحدة أبعدت أربع مرات عن التنظيم بسبب عدم انضباطي.

في تلك الفترة كنت أقرأ كتباً قومية لساطع الحصري وكان شباب الحركة هم الذين أشاروا علي بذلك، كما كنت طبعاً أقرأ مجلة "الحرية" التي كانت تصدر شهرياً آنذاك.

غسان كنفاني لم أقرأ له شيئاً في تلك الفترة، غير أنني تأثرت به منذ رأيته يتكلم في إحدى الندوات في المخيم. رأيت أنه يعبر عن هموم الناس، كانوا يحبونه، ونحن كنا نحب كل من يستطيع أن يقترب من همومنا الوطنية. في فترة لاحقة صرت أقرأ له كتاباته السياسية في مجلة "الحرية".

الحركة كانت تشجعني على القراءة الأدبية. أحببت روايات نجيب محفوظ، في فترة لاحقة قرأت لغسان "موت سرير رقم 12" روايته "رجال في الشمس" أثرت بي كثيراً كما أثرت بمعظم أبناء جيلي من الفلسطينيين. كانت صرخة "لماذا لم يدقوا جدار الخزان" تصفعنا صفعاً وتجعلنا نفكر كثيراً.

كانت تلك الجملة تعني لي أنه مع كل الحصار المضروب حول شعبنا لا نستطيع أن نطلب النجدة من أحد. ابطال رواية غسان ماتوا على جمارك الخليج دون أن يكون لديهم أي أمل في أن أحداً سيساعدهم أو يسامحهم. كنا نعتبر أنهم ماتوا أمام جمارك الأنظمة العربية جميعها. إذ ليس الخليج إلا رمزاً.

إضافة إلى ذلك كانت الأغنيات المصرية. حين أستمع الآن إلى أغنية "الله اكبر" التي انطلقت أيام العدوان الثلاثي استعيد ذلك الزمان كله. عموماً أنا أحن إلى الأغاني كلها. إلى محمد عبدالوهاب وأم كلثوم وصالح عبدالحي وزكريا أحمد. إنها الأغنيات التي أطرب لها وتشعرني بالإصالة. كما أحب كثيراً أن استمع إلى أغنيات القرى التي كنت أسمعها في فلسطين وظللت متواصلاً معها في لبنان. في المخيم كنا نسمعها في المناسبات. كان الناس هناك يعيدون الطقوس القروية كاملة. وهنا أذكر أنني لم أكن أجد فرقاً كثيراً بين أغنيات القرى في فلسطين وشبيهاتها في الأردن وسوريا ولبنان كانت هي نفسها تقريباً.

بحكم إرتباطي ومعيشتي ودراستي في المخيم، كنت أشعر لفترة أنني أعيش في "غيتو" فلسطيني. كان اختلاطنا معاً آنذاك بمثابة عزاء نقدمه لبعضنا البعض. كان الغيتو قسرياً من جهة أخرى حيث لم يكن يصح للفلسطيني أن يعمل في المؤسسات العامة، ثم إنه كانت لنا مدارسنا الخاصة فينا التي لا نتعلم في سواها نظراً لأوضاعنا المالية. في الفترة الأخيرة أعطتني تجربتي في جريدة "السفير" فرصة للاحتكاك بشباب غير فلسطينيين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
البطل ناجي العلي – بقلمه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات عائلة المشهراوي :: '*•~-.¸¸,.-~* ][الأقسام العامة ][ ¨'*•~-.¸¸,.-~*' :: منتدى التاريخ والتراث الفلسطيني-
انتقل الى: